“حسين جيلو” يتحدث عن الإنسان والإنسان لوحة مكتملة الأركان !
الأصدقاء ، يعود إليكم مشروع أوراق بمبادرته القيمة الكتابية ( مدونة أوراق ) والتي خصصناها لعدد من الكتاب السوريين (الطلاب) حيث ستستقبل هذه المدونة كل المقالات الإجتماعية – الثقافية – السياسية -الإقتصادية وغيرها من المواضيع المختلفة .
سنبدأ اليوم بمقالة الصديق Hassn Jelo طالب جامعي مقيم في مدينة إدلب السورية التي يتحدث بها عن ثقافة الإختلاف وتقبل الآخر
قراءة ممتعة.
الإنسان والإنسان لوحة مكتملة الأركان
في البداية دعونا نتفق على أن الاختلاف وجد مع تواجد الخلق وأنه حقيقة كونية لا يمكن نكرانها بأي شكل أو عذر ، ناهيك عن كونه مصدر للتنوع الذي جعل من هذه الحياة تبدو كلوحة مكتملة الأركان ، الجمال ،الألوان والأشكال .
الإنسان والذي هو جزء من هذه اللوحة الحياة طبيعته التكوينية تجعله يسعى إلى التميز عن الآخر ، وهذا الاختلاف هو ما جعل من هذه اللوحة فريدة من نوعها ذات الألوان والأشكال الممتزجة بطريقة عظيمة .
وذاته الإنسان يخضع لقوانين الاختلاف ، فتختلف أفكاره وتختلف قناعاته وتوجهاته خلال مسيرة حياته ، وهو عنصر من هذا المجتمع الذي هو بالمقابل له قناعاته ورغباته وتوجهاته ، إذن ألا يجدر أن يقبل الاختلاف مع الآخر كي تكتمل اللوحة!
الآخر الذي يكون خارج دائرة الأنا وال نحن ، فربما يكون أخاك ، صديقك ، جارك ، زميلك في الجامعة أو في العمل ، شريكك في الوطن أو خارجه .
ألا تستطيع أن تقبل أخاك إن كان يحمل معتقدات دينية تختلف عما تعتقده أنت! ، ألا يمكنك أن تقبل زميلك في الجامعة أو العمل إن كان مثلي الجنس! ، جارك إن كان أسود! ، صديقك إذا كان يعارضك برأيك السياسي! .
ربما هذا الأمر غير مألوف لكوننا ننطلق من مفهوم هو أن نقبل الآخر كما نحن نريد وليس قبول الآخر كما هو ، وقد نجعله عدواً بمجرد أنه اختلف !
علينا أن ندرك أن تعددية الآراء والأفكار والميول والتوجهات وقبولها لن يجعلنا تحت تصرفها أو تبعاً لها أو تبنيها ، إنما تحقيقاً للتواصل الإنساني والتعايش السلمي والسلام المنشود وأنه سيساعدنا على العمل سوياً للوصول إلى كل ما يسعد الإنسان على هذه الأرض ، فالكثير من الأمم والشعوب اكتسبت قوتها من اختلافها وتنوعها .
فليس مطلوباً منك أمام اختلاف الآخر أن تذوب في حبّه ، أو أن تمنحه جزءاً من مصروفك الشهري ، أو أن تخصص له غرفة في منزلكم! ، ليس هذا المقصود بالطبع .
إنما أن تقبله دون أن تتعدى على خصوصيته ، دون مهاجمته وإقصائه ، دون أن تمارس عليه أي نوع من العنصرية ، أن تتعامل معه دون اي تمييز فكري ، ديني ، طائفي أو عرقي .
هل هذا أمر صعب! ، خارق للعادة!
هذا لن يخسرك أي شيء من رصيدك في البنك ولن ينال من سمعتك في الحي ، ولن يجعلك تبدو معتوهاً ، ولن يرغمك حتى عن التنازل عن فكرة أو رأي أو معتقد تتبناه بالأصل .
على العكس تماماً فأنت تحقق الفائدة _التي بطريقها
ستكون متبادلة _ فهي علاقة تكافؤ وتبادل خبرات وتعلّم من أخطاء الآخر وإغناء التجارب ، فنحن بحاجة إلى قبول الآخر وتحويله إلى الآخر ، هذه العملية التي ستقودنا للتغيير، ولا أقصد تغيير الآخر بل تغييرنا نحن .
تغيير المفاهيم التي تحمل ثقافة التجانس والتشابه ، ثقافة القهر والإقصاء ، ثقافة اللون الواحد ، التي لن تؤدي إلا للمزيد من التفكك المجتمعي وسيادة العنف وتزايد الحقد والكراهية والتعصب بين أبناء المجتمع ،
وتحويلها لثقافة التنوع والإختلاف والمشاركة .
حريٌ بنا أن ننسلخ من قوقعة وهم التطابق ونخرج بكل قوتنا إلى وعي الإختلاف .
فنبدأ من المؤسسات التربوية التي تساهم في إنتاج الإنسان إلى المجتمع ، سواء العائلة الصغيرة من الأم والأب ، إضافة للمؤسسات التربوية الأخرى كالمدارس ، المؤسسات الدينية ، الاجتماعية ، الثقافية والإعلامية ، وتوجيهها كي تؤكد على ثقافة قبول الآخر ونبذها لكل الثقافات التي تشجع على التعصب والتطرف، التركيز على أن يكون الخطاب الديني خطاباً معتدلاً ويدعم ثقافة التسامح وقبول الآخر .
في نهاية ما كتبته أودّ أن أنوه إلى إيماني بأنه لا أحد يمتلك الحقيقة الكاملة ، وبالتالي ليس هناك ما هو على صواب بشكل مطلق والآخرين على خطأ بشكل مطلق ، و أؤكد على أن الإختلاف لا يعني بالضرورة الخلاف ، وهناك شيء جوهري بداخلنا يجمعنا حتى تبدو لوحتنا جميلة .